ADMIN
المدير العام
عدد المساهمات : 292 نقاط : 10862 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 17/10/2010
| موضوع: شعر شعر الخميس أبريل 28, 2011 2:15 pm | |
| لم تكن يوما شوارع مدينتي جميلة ، و لم يكن بؤس أحيائها العشوائية ملهماً لغير المزيد من الانحدار و التسطح ، أمشي بين أزقتها ، أرى قبحها ، لكن .....، بين الخطوة و الخطوة أسمع نغمات تنبع من السماء فتنتزعني من أرض أدمنت الموت إلى عوالم لم تمسها يد الإنسان بعد ، ينسكب شلال من ماء نقي فوق رأسي فينسيني حر شوارعها المعبدة ، تنفتح أمامي بحيرات أخوض فيها عارياً منسجماً مع الطبيعة حولي ، أنسى أزياء المدينة مدينتي المحورة عن ثقافة أكثر حرية و انفتاحاً ، أزياء أضيفت عليها اختراعات عجيبة محلية لتمنع كشف أجزاء صممت الملابس لكشفها ، أزياء تشبه الكتب العلمية التي نحفظها عن ظهر قلب مثل شعر الشنفرى و تأبط شراً . أزياء كرهتها لأن تظهر قبحنا ، قبح خوفنا ، قبح تشوهنا الداخلي العميق و المزمن ، أزياء كرهتها عندما رأيت لأول مرة أنثى حقيقية تجلس عارية فوق غص شجرة و تستعد للقفز في الماء ، لوحت لي بيدها و قفزت ، سبحت باتجاه الشلال و جلست على صخرة مستمتعة بالماء الذي يسقط فوقها ، كانت جزءاً من الطبيعة منسجماً معه على الععمك هاد عيب على راسك يا كلب عيبمن أهل مدينتي الذين يشكلون أكثر النغمات نشازاً في هذا الكون الذي يحيط بي . حجاب الرأس و الجينز الذي يخنق فخذيها ، امرأة تلعن الهواء ألف مرة حين يرفع قليلاً التنورة ليكشف جزءاً من ركبتها ، تنورة قصيرة جداً ينساب تحته قماش غريب يشبه الكفن لأنوثة اختنقت قبل أن تولد ، تبتسم مرة أخرى و تلوح لي ، تدعوني للسباحة معها ، يصيبني الخوف ، نحن الرجال نلبس طبقتين من الثياب بدلاً من واحدة ، إحداهما لأجسادنا و الأخرى الأكثر سماكة... لأرواحنا . شاهدت رجالاً يعبرون شوارع المدينة بلباسهم العصري و وجوهم التي تراقب برضا.... نصف الحرية ، رائحتهم كرائحة الاسمنت ، يلتقطون من البعيد صورة تنورة قصيرة و يعيشون أجزاء من الثانية في حالة صدمة حتى تتمكن داراتهم العقلية البطيئة من تحليل الصورة و اكتشاف القماش الذي يشبه قماش الملابس الداخلية و الذي ينساب تحتها و يجعل لعابهم الذي بدأ بالسيلان يتقهقر و ينكمش عائداً مع حرقة إلى حناجرهم ، تنظر إليه إلى طقمه الفرنسي و حذائه الملمع بعناية و لحيته التي تشبه موضة ديرتي لوك لكنها ديرتي فقط و لا تتناسب مع ثيابه التي يرفض استبدالها بثياب أقل عصرية و أكثر منطقية و تناسباً مع داخله. نادتني مرة أخرى ، كانت تحني ظهرها مستقبلة الماء و نهدها المتدلي إلى الأسفل يقود المياه باتجاه نهايته فيبدو كأنها تنسكب منه، دعوة كهذه في مدينتي تعني أمراً واحداً ،"اخلع ثيابك و ابحث عن فراش يضمك معها لتمارس الجنس قبل أنت تنساها نهائيا بعد بضع دقائق". خضت في الماء مرتدياً ثيابي فنظرت إلي كما تنظر لطفل صغير تائه ، تراجعت خجلاً إلى حافة البحيرة و تكورت مثل الجنين واضعاً رأسي بين ركبتي و رحت أسترق إليها النظر ، خفت إن تعريت مثلها أن تجتاحني الرغبة و ينكشف عالمي ، فالرجل يحمل فضيحته معه ، كم عانيت فترة مراهقتي حين كنت أفقد أحيانا التحكم فينتفخ البنطال معلناً عن سري أمام العيون التي تفهمه ، كيف أخوض باتجاهها و أنا عارٍ ، ماذا لو...؟؟؟ حسدتها ، قد تكون في حالة رغبة لكن لن يلاحظ ذلك أحد ، أحسد الأنثى لأنها تستطيع أن تخفي رغباتها و مشاعرها و أن تنكرها إن لزم الأمر ، كم هي محظوظة ، فهي تستطيع أن تبقى ساكنة تراقب الحرقة التي تأكل لحمنا و تدفعنا للمغامرة و البوح بمشاعرنا و تستطيع بعد كل ذلك أن تقول أنها لا تهتم للأمر و لن نعرف الحقيقة أبداً بينما هي تعرف كل شيء عنا. لم أشعر بالرغبة ، عضوي ساكن في مكانه و هذا ما أثار في نفسي رعباً آخر ...هل أنا ..؟؟؟؟. انكمشت على نفسي مستسلما لرائحة الأرض و أشجار الصنوبر المحيطة بالبحيرة ، أنا لست في مدينتي و لا أعرف كم تبعد عن هذا المكان و هذا الزمان ، لا أحد يراني هنا. صوت صراخ ، "يا ابن ....... ، شو أنت أعمى" . مرت ثواني قبل أن أدرك أن هذه الشتيمة موجهة لي من قبل سائق السيارة المتوقفة أمامي ، عبرت الطريق بسرعة حتى وصلت إلى الرصيف ، و هناك أشحت بوجهي كي لا أرى ركبتها التي تجاهد لإخفائها بعد أن رفعت نسمة تنورتها قليلاً ، مررت قربها متجاهلاً فلعنتني في أعماقها ، سرت باتجاه الجنوب بضع دقائق قبل أن أعود لرفيقتي مرة أخرى. جلست قربها عارياً ، أحببت برودة الماء المتناثر عن ظهرها ، حدثتني عن أولادها و زوجها و قريتها ، أخبرتني بقصص طفولتها ، لم تكن جميلة ، لكنها كانت متسقة مع لون الصخرة التي تجلس عليها ، انتبهت لنظرتي المتفحصة و أشارت إلى بطنها ، " كان في الماضي أجمل ، لكن بعد أربعة أولاد ..." ، ابتسمت و أخفيت عنها أني أراه جميلاً كما هو ، لأجرب أن أتعلم من الأنثى الصمت. مزجت الطين بمسحوق أعشاب أحضرتها معها من الغابة ووضعته على رأسي و دهنت به جسدي قائلة :"هذا سيحسن رائحتك فلا تخشى الاقتراب مني ، كم مرت دعوتك و أنت كالصخرة لا تتحرك "، تحول لون جسدي إلى الأسود ثم نزلت إلى الماء فشعرت ببرودته و بقدميها تلامسان صدري ، قفزت إلى الماء دافعة برأسي تحته ، دفعتها بعيداً بقوة ، نظرت إلي بحزن و اقتربت مني ، ضمتني بقوة إلى صدرها و همست " لقد تأخرت يجب أن أذهب إلى أولادي و زوجي" ، رائحة جسدها مزيج من رائحة التراب و رائحة ساحرة لم أعرفها من قبل. صوت مزعج و رائحة كريهة، ابتعدت مسرعاً عن حاوية قمامة يستعد عمال النظافة لقلبها في شاحنتهم ، اقتربت من ياسمينة مستلقية على حائط حديقة منزل قديم فعدت إليها ، لوحت بيدها مودعة و تركتني وحيداً ، جلست على الصخرة مكانها ، لم أعد قادراً على ارتداء ثيابي مرة أخرى لأنها كانت تخنقنني و تقتل روحي. الشوارع مزدحمة بتماثيل الزجاج التي تزحف هنا و هناك و أنا أبحث عن مكان هادئ بلا ضجيج أستطيع منه الانطلاق إلى عالمي ، أبحث و أبحث عن مساحة بلا صراخ ، بلا إضاءة ، بلا رائحة ، تضيق المساحات في مدينتي التي تختنق و تخنقني. أرى ابتسامتها معلقة على وجه القمر ، أشم رائحة صدرها ، أسمع ضحكات أولادها ، فتذوب المدن و تتلاشى ، يتوحد عالمي ، يتوحد جسدي ، يسقط الماء فوقي فيغسل أيامي و يغسل روحي ، ينهمر الياسمين غزيراً من السماء ليغطي وجه البحيرة باللون الأبيض ، ينتشر عطره في كل مكان لكنه لا يقدر على إخفاء رائحة التراب التي تساقط من جسدها .... أحن إلى قصصها ، أحن إلى البراءة التي تلون وجهها ، أحن إلى القوة المختبئة خلف رقتها ، أتشوق لرؤية عالمها.
| |
|